27‏/06‏/2012

تحطيم حجاب الأنا ..


 - 1 -
المشكلة أبعد من تطبيق السياسة الإسلامية أو السياسة العلمانية , المشكلة الحقيقة في هذا الذي سيطبق .. إلى أي مسافة ابتعله موج الأنا ؟ يقول تعالى : إن الإنسان ليطغى !
إذا كان الإسلامي يعتقد أن ذاته انصهرت في أسماء الله فمن يقف ضده كافر , فالعلماني كذلك سينصهر في عناوين الحق والقانون والعدالة , وسيتوهم كل الذين يعارضونه بأنهم باطل وفوضى وظلم , تعددت المسميات والطغيان واحد !

- 2 -

هل رأيت الإني ميشن الذي يدعى ديث نوت .. مفكرة الموت ؟
حكاية هذا " الانيميشن " تتعلق عن شاب يعثر على مذكرة كتب عليها "مذكرة الموت " , من خلالها يستطيع كتابة الاسم الحقيقي لمن يريد فيقتله دون أثر !
تتشعب الأحداث وتتعقد من تدخل الشرطة لمعرفة الأسباب الغامضة لقتل المجرمين , فيدخل كيرا في مواجهة معقدة خاصة أن أباه يعمل محققاً , فتسيل شيئاً فشيء نوافير الدم . بعد أن اقتنع كيرا بأن الوقوف ضده هو الوقوف في وجه العدالة , فيتحول من خادم للخير إلى الخير بذاته ! فيمارس كل ألوان الخديعة والمكر والبطش والحتف ... فكم هم هؤلاء الذين تحولوا من حملة رسالة إلى الرسالة بحد ذاتها ,  ليشرعوا العنف بكل صوره , في سبيل ذواتهم الصنمية ؟

جاء في الحديث القدسي : إن بني إسرائيل أتوا موسى عليه السلام فسألوه أن يسأل الله عزوجل أن يمطر السماء عليهم إذا أرادوا ، ويحبسها إذا أرادوا ، فسأل الله عز و جل ذلك لهم ، فقال الله عزوجل : ذلك لهم يا موسى ، فأخبرهم موسى فحرثوا ولم يتركوا شيئا إلا زرعوه ، ثم استنزلوا المطر على إرادتهم وحبسوه على إرادتهم ، فصارت زروعهمكأنها الجبال والآجام ، ثم حصدوا وداسوا وذروا فلم يجدوا شيئا ، فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا : إنما سألناك أن تسأل الله أن يمطر السماء علينا إذا أردنا فأجابنا ، ثم صيرها علينا ضررا ، فقال : يا رب إن بني إسرائيل ضجوا مما صنعت بهم ، فقال : ومم ذاك يا موسى ؟ قال : سألوني أن أسألك أن تمطر السماء إذا أرادوا ، وتحبسها إذا أرادوا فأجبتهم ، ثم صيرتها عليهم ضررا ، فقال : يا موسى أنا كنت المقدر لبني إسرائيل فلم يرضوا بتقديري فأجبتهم إلى إرادتهم فكان ما رأيت
 .

- 3 -
يقترح فرنسيس بيكون بأن علاج مثل هذه الأوهام يكون عبر تجاوز معرفتك القديمة , انسى أنك تعرف الله جيداً وتعرف الحق جيداً وتعرف العدل جيداً , خذ فرصة مجددة لاكتشاف الله واكتشاف نفسك واكتشاف كل ما حولك !
أنت طفل لازال تغمره الدهشة , انت طفل لا يشغله حب التملك عن حب المعرفة .. قد ورد في الإنجيل أن المسيح ع قال : كونوا أطفالا تدخلون ملكوت الله !



- 4 -
يقول الإمام الخميني عن الحلاج في قوله : " أنا الله " بأنه لم ينجح في التخلص من حجاب أنا , لئلك رأى الله منعكسا على نفسه , ويقول محمد مهدي الآصفي : " قد يتجرّد الإنسان عن الهوى في المنازل الاولى للسلوك (منزل التقوى والطّاعة)، ولكنّ (الأنا) يبقى يطارده ويلاحقه في منازل السلوك، والعروج، إلا منزل التفويض، الذي لا يدخله الأنا قط، "

- 5 -
كيف تطاردنا الأنا ؟
أفلوطين السكندري , آخر فلاسفة العصر اليوناني يشرح ذلك ,  في التاسوع المعنون بـ  " الحسن والجمال " فيقول :
فالواجب عند ادركنا للحسن في الاجسام الا نتهافت اليه , بل ننتبه  الى انه ارتسام واثر وظل , فنفر الى ذلك الذي هو اصل الارتسام . لان من اسرع الى ذلك الحسن في الاجساد قاصداً ان يمسك به على انه الحق , حدث له ما حدث لذلك الرجل الذي تشير اليه القصة المختلقة (  أسطورة نرسيس , الذي استمد منها فرويد اسم النرجسية ) فيما اذكر : رأى صورة جميلة تطفو على وجه الماء , فأراد ان يقبض عليها فرمى نفسه في عباب النهر , فاختفى .
وهذا ما  يتم لا محال لمن اخذ بحسن الاجساد ولم يعدل عنه : انه ليهوي لا في جسده بل في نفسه الى اسافل الظلام التي تتنافى مع الروح

- 6 -
ما هو الحل ؟
أحد أهم الآثار لغياب الأنا تكمن في مصطلح " الزهد "
 , فكيف نصل إليه ؟

 رسول الله ص : أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت , وأفضل العبادة التفكر , فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة 
الإمام الصادق ع : 
ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة , ويقوي القلب بمواعد الله , ويرق الطبع , ويكسر أعلام الهوى ..

الإمام الباقر ع : 
أكثر ذكر الموت، فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلازهد في الدنيا

يقول الفيلسوف ديفيد هيوم بأن العلاقة بين الأفكار تربطها ثلاث مبادئ : التشابه , المجاورة , الأثر والمؤثر .  لذلك فمن الطبيعي حين يتأمل المؤمن فكرة الموت سيجد فكرة مجاورة للموت , وهي الشهادة , ومن الطبيعي حين نتأمل الشهادة فأننا نتأمل الشهداء فنجدهم مجسمات مصغرة تتشابه بنموذج / مثال كلي يدعى الحسين بن علي !

يقول الرسول ( ص ) عن الحسين ( ع ) بحديث مفصل ما نصه : " قد كتب الله في يمين العرش إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة
"

فماهي الخصائص التي جعلت من الحسين مصباحاً للهدى , وسفينةً للنجاة ؟

هي بعدد نعم الله , وإحدها طعنته القاتلة في قلب الأنا , تقول الرواية : فلما كان السحر ارتحل 
الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها. فقال له: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلا فقال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين أخرج فإن الله قد شاء ان يراك قتيلا، فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟ قال فقال له قد قال لي إن الله قد شاء أن يراهن سبايا وسلم عليه ومضى.

-7 -
الحسين هو الملخص النقي عن حقيقة الاسلام : التسليم .
الأنا تصرخ وقت البلاء وتهمس بأذنك لماذا ربك لا يعاملك بلطف؟ فتتذكر ما جرى بالحسين فتلجم الأنا .
الأنا تجتهد لبناء السدود حول قلبك, فيلمس الحسين روحك بلطف ويغشاك طوفان التسليم
الحسين هو الملخص النقي عن حقيقة الاسلام : التسليم .
الحسين يهزم  أعداء الإنسان في كل عام , وفي كل شهر , وفي كل أسبوع , وفي كل يوم , وفي كل ساعة , وفي كل دقيقة , وفي كل ثانية ..
يبلغ الإنسان أعلى حالات الاتصال عند البكاء ..
الدمعة على الحسين تخلع أظافر الأنا
الدمعة على الحسين توصلنا لكربلاء
وكربلاء هي عاصمة الخلاص الإنساني

- 8 –
ما أن تغيب الأنا سيظهر الله  . سيتجلى لذنوبك فتصير دكاً , وتخر روحك صعقاً , وعندما تفيق ستخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى , وستشرق الأرض بنور ربها , فاركض برجلك للحسين فهذا مغتسلٌ باردٌ وشراب ...

 

2010 أحمد محمدي. Blogger Templates created by Deluxe Templates | تعريب و تطوير : حسن