26‏/08‏/2011

الحب


بسم الله الرحمن الرحيم

-1-

من دعاء لزين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام : " الهي لو قرنتني بالاصفاد , ومنعتني سيبك من بيد الاشهاد , ودللت على فضايحي عيون العباد , وامرت بي الى النار , وحلت بيني وبين الابرار , ماقطعت رجائي منك , وماصرفت تأميلي للعفو عنك , ولا خرج حبك من قلبي , انا لا انسى اياديك عندي , وسترك علي في دار الدنيا , سيدي اخرج حب الدنيا من قلبي ... "

من هنا بدأت الحكاية الحب , حين سألت نفسي احقاً استطيع ان اقول وانا في النار بأنني احبك يا الهي ؟
من هنا بدأت اتأمل الحب ما هو ! ولماذا وضع النبي ( ص)  أجر كل رسالته في حب أهل بيته كما ذكر في القرآن  : لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي !
وما علاقته في الايمان : لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه

**

يبدو لي بأن عبارة " سيدي اخرج حب الدنيا من قلبي " منسجمة مع نواميس الحياة , في مشهد الضدية , حيث يتولد المعنى . فمعرفة ابليس قادتنا لمعرفة الشر فأدركنا الخير , كما يدرك المرء الظلام من النور والعكس , فالأشياء تُعرف بضدها

لا إله إلا الله . في هذه العبارة تجسد مشهد الحياة , فمن " لا " النفي , تنطلق دلالة الثبوت , بوحدانية الله ..

فاذا كان الحب من صميم الوجود فهو يشترط الكراهية لاتمام المحبة السلمية , فحين تريد ان تحب الله عليك بلعن ابليس , وحين تريد حب موسى عليك بلعن فرعون , وحين تريد ان تحب ابراهيم عليك بلعن نمرود : ( ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) ..( .. حبب إليكم الإيما وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق و العصيان أولئك هم الراشدون )

يقول الإمام جعفر الصادق (ع) : طلبت حب الله عز وجل فوجدته في بغض أهل المعاصي ( قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة و البغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده ..)

- 2 - 

يقول الامام زين العابدين في فقرة أخرى من الدعاء :" يا حبيب من تحبب اليك ويا قرة عين من لاذ بك وانقطع اليك انت المحسن ونحن المسيؤون فتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ماعندك "

يقول تعالى : قل ان كنتم تحبون الله فابتعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم 

الله اشترط الحب بالعمل , ومن ملازمات اي عمل منطقيا هو " الظهور "  , وهذه احد اهم علامات الحب بين البشر . تهادوا تحابوا بالحديث , فالحب القلبي عليه ان يظهر بالجوارح , والعكس صحيح 



 – إظهار الحب بالعمل = اللقاء :
قال أمير المؤمنين علي عليهم السلام : لما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم ع أهبط الله ملك الموت فقال : السلام عليكم يا إبراهيم قال: وعليكم السلام يا ملك الموت أداع أنت أم ناع؟ قال: بل داع يا إبراهيم فأجب قال إبراهيم ع فهل رأيت خليلا يميت خليله؟ قال: فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله فقال: إلهي سمعت ما قال خليلك إبراهيم.فقال الله جل جلاله: يا ملك الموت اذهب إليه وقل له:هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه
إن الحبيب يحب لقاء حبيبه.

 – إظهار الحب بالعمل = السير :
فيما أوحى الله تعالى إلى داود ( عليه السلام ) - : يا داود من أحب حبيبا صدق قوله ، ومن رضي بحبيب رضي بفعله ، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه ، ومن اشتاق إلى حبيب جد في السير إليه


- اظهار الحب بالعمل = تبليغ وتذكير
قال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) : قال الله عز وجل لداود ( عليه السلام ) : أحببني وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب نعم أنا أحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: اذكر أيادي عندهم ، فإنك إذا ذكرت لهم ذلك أحبوني
 .

- 3 -
تُرى لماذا يحبنا الله ؟


يقول الطبطبائي في تفسير الميزان ج1 صفحة 411:

.. لما كان الحب تعلقا وجوديا بين المحب و المحبوب كانت رابطة قائمة بينهما فلو كان المعلول الذي يتعلق به حب علته موجودا ذا شعور وجد حب علته في نفسه لو كان له نفس واستقلال جوهري.
ويُستنتج من جميع ما مر: أولا أن الحب تعلق وجودي وانجذاب خاص بين العلة المكملة أو ما يشبهها وبين المعلول المستكمل أو ما يشبهه، ومن هنا كنا نحب أفعالنا لاستكمالنا بها ونحب ما يتعلق به أفعالنا كغذاء نتغذى بها، أو زوج نتمتع بها، أو مال نتصرف فيه، أو جاه نستفيد به، أو منعم ينعم علينا، أو معلم يعلمنا، أو هاد يهدينا أو ناصر ينصرنا، أو متعلم يتعلم منا، أو خادم يخدمنا أو أي مطيع يطيعنا وينقاد لنا، وهذه أقسام من الحب بعضها طبيعي وبعضها خيالي وبعضها عقلي.

وثانيا: أن الحب ذو مراتب مختلفة من الشدة والضعف فإنه رابطة وجودية - والوجود مشكك في مراتبه - ومن المعلوم أن التعلق الوجودي بين العلة التامة و معلولها ليس كالتعلق الكائن بين العلل الناقصة ومعلولاتها، وأن الكمال الذي يتعلق بواسطته الحب مختلف من حيث كونه ضروريا أو غير ضروري، ومن حيث كونه ماديا كالتغذي أو غير مادي كالعلم، و به يظهر بطلان القول باختصاصه بالماديات حتى ذكر بعضهم: أن أصله حب الغذاء، وغيره ينحل إليه، وذكر آخرون: أن الأصل في بابه حب الوقاع، وغيره راجع إليه.

وثالثا: أن الله سبحانه أهل للحب بأي جهة فرضت فإنه تعالى في نفسه موجود ذو كمال غير متناه وأي كمال فرض غيره فهو متناه، والمتناهي متعلق الوجود بغير المتنا هي وهذا حب ذاتي مستحيل الارتفاع، وهو تعالى خالق لنا منعم علينا بنعم غير متناهية العدة والمدة فنحبه كما نحب كل منعم لإنعامه.

ورابعا: أن الحب لما كانت رابطة وجودية - والروابط الوجودية غير خارجة الوجود عن وجود موضوعها ومن تنزلاته - أنتج ذلك أن كل شيء فهو يحب ذاته، وقد مر أنه يحب ما يتعلق بما يحبه فيحب آثار وجوده، ومن هنا يظهر أن الله سبحانه يحب خلقه لحب ذاته، ويحب خلقه لقبولهم إنعامه عليهم، ويحب خلقه لقبولهم هدايته.


-4-
ماهو الحب في الاجتهادات البشرية ؟ 

أ - يسرد أفلوطين في كتابه التاسوعات فصل الحب أقوال العامة وأفلاطون في الحب نضع خلاصتها حيث يقول:
ص 241 :

في كتاب فن الحب يتحدث اريك فروم عن الحب كمشكلة إمكانية لا مشكلة موضوع , ويخبرنا بأن الحب فن وكأي فن يحتاج إلى الإلمام بالنظرية ثم إتقان الممارسة العملية.

فالحب ثابت كذلك دائما بحكم الضرورة : من النفس ينبعث ما دامت هي تنزع إلى الخير والأفضل , وهو لم يزل ما دامت النفس لم تزل . وهو مزيج من: فيه شيء من العوز يدفعه إلى التماس الشبع , وليس بدون حظ من الرفاهة إذ إن ما يسعى إليه إنما هو المزيد لما لديه . فلو لم يكن له من الخير شيء لما جد قط في طلب الخير. يقال عنه انه " بوروس " ( الرخاء )  و " وبيينا " ( الحاجة ) إذا بمعنى أن في النفس العوز والرغبة اجتمعت إليهما الذكرى بالمعاني البذرية , فتولدت من ذلك الطاقة على العمل وهي مسددة نحو الخير . هذا هو الحب !

توضيح :
يحلل أفلاطون الحب من خلال القصص الأسطورية ,  فيشرح علاقة الإله " إيروس " الحب ,  بـ  بوروس  , وبيينا ,  وافروديتس, وأفلوطين يشرح الحب هنا ليجعله " الدافع " نحو رحلة النفس المفطورة على الخير التي جاءت من عالم الروح التي خلقها الواحد , فهبطت نحو عالم المادة ..  وها هي تريد بفطرتها الرجوع لخالقها حيث ترتاح وتنعم بالسعادة ..

ب -  في كتاب فن الحب يتحدث اريك فروم عن الحب كمشكلة إمكانية لا مشكلة موضوع , ويخبرنا بأن الحب فن وكأي فن يحتاج إلى الإلمام بالنظرية ثم إتقان الممارسة العملية.

يقول في ص 7 :
تنحصر قضية الحب بالنسبة لمعظم البشر في أن يكونوا محبوبين ليس في أن يحبوا و أن يحسنوا الحب . يعني أن جوهر المشكلة بالنسبة لهم في أن يحبهم الآخرون.

ويقول في ص 10 :
الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها هي أن نعي أن الحب فن , .. فإذا ما أردنا أن نتعلم كيف نحب يجب علينا أن نتصرف كما يتعين علينا عندما نريد أن نتعلم أي فن آخر . لنقل : الموسيقا, أو الرسم أو النجارة أو الفن أو الطب أو الهندسة
ما هي الخطوات الضرورية في تعلم أي فن ؟
الأول: هي الإلمام بالنظرية
الثاني: هي الإتقان
و
الممارسة العملية

ص 13
الحب هو الجواب عن مشكلة الوجود الإنساني

" ... ما هو حاسم فعلا في وجود الإنسان كونه قد خرج من مملكة الحيوان ومن مجال التكيف الغريزي هو أنه تجاوز حدود الطبيعة ومع ذلك بانفصاله عنها في زمن ما لا يستطيع العودة إليها . لقد طرد من الجنة يوما – حالة الوحدة الابتدائية مع الطبيعة – وهناك ملاك بسيف ناري يقطع عليه الطريق إذا ما أراد العودة .
يستطيع الإنسان أن يسير إلى الأمام فقط  وان يطور عقله بإيجاد انسجام جديد . انسجام إنساني بدل الانسجام ما قبل الإنساني الذي ذهب دون عودة
عندما يولد الإنسان يجد نفسه منقولا من الوضع الذي كان محددا كما تحدد الغرائز إلى وضع غير محدد غير واضح . يحس بالوضوح فيما يخص الماضي أما بالنسبة إلى المستقبل فواضح فقط انه في يوم ما لا بد أن يأتي الموت .

لقد وهب الإنسان عقلا , انه حياة تعي ذاتها , انه يعي ذاته وقريبه وماضيه وإمكانات مستقبله . إنه وعي الذات ككائن مستقل . وعي حياته الشخصية , لأنه لم يولد بإرادته وسيموت رغما عنها لأنه ربما يموت قبل أولئك الذين يحبهم أو ربما هم قبله ووعي كونه وحيدا واستقلاليته وعجزه الشخصي أمام قوى الطبيعة والمجتمع كل ذلك يجعل وجوده المعزول والغريب عن الآخرين سجنا لا يطاق , فلو لم يستطع أن يتحرر من هذا السجن ويغادره وينضم بشكل أو بآخر إلى البشر إلى العالم المحيط لكان قد فقد عقله.

ص 15
في كل الأزمنة وفي كل الثقافات يقف أمام الإنسان السؤال ذاته: كيف نتجاوز العزلة ؟ كيف نحقق الوحدة ؟
... يمكن الإجابة عن هذا السؤال بعبادة الحيوانات وبالضحايا البشرية وبالاحتلالات العسكرية وبالانغماس في الترف وبالعزوف الرهباني التتسكي، وبالهوس في العمل، وبالإبداع الفني، وبالحب للإله والحب للإنسان
.. تاريخ الدين والفلسفة هو تاريخ هذه الأجوبة وتنوع محدوديتها.

ص25- 26
عندما نتحدث عن الحب بمثابة فاعلية, تواجهنا صعوبة تتخلص في ثنائية معنى كلمة " فاعلية ". تحت تسمية " فاعلية " بالمعنى المعاصر للكلمة, عادةً ما نفهم الفعل, الذي يحدث تغييرا في الوضع الحالي بواسطة بذل الجهد ( صرف القدرة ) . بالتالي يعتبر الشخص فعالاً إذا ما قام بتجارة , أو دراسات طبية , أو عمل على خط إنتاج , أو صنع طاولة أو مارس رياضة . ما تشترك به كل تلك الأشكال , هو أنها كلها موجهة لبلوغ غاية خارجية . ما لا يؤخذ بالحسبان هنا , هو دافع هذه الفاعلية . لنأخذ على سبيل المثال , رجلاً يدفعه إلى العمل المتواصل شعور القلق العميق والوحدة , أو مدفوعاً بالفخر المفرط . أو بالتعطيش للمال .. فليست فاعليته سوى " سلبية " لأنه يخضع للتحريض كضحية وليس مبدعاً من ناحية أخرى شخص يجلس بهدوء و يتأمل , دون أن يكون له غاية أخرى سوى وعي ذاته , ووحدته مع الكون , يعتبر سلبياً لأنه لا يفعل أي شيء . في واقع الأمر حالة التأمل المركز هذه هي الفاعلية الأعلى  , فاعلية الروح , فاعلية الممكنة فقط في حالة الحرية الداخلية والاستقلال . المفهوم الأول للفاعلية – المعاصر – يعني استعمال الطاقة لبلوغ غايات خارجية , المفهوم الآخر للفاعلية يعني استعمال القوى التي يتميز بها الإنسان بصرف النظر عما إذا تحققت تغيرات خارجية أم لا . لقد صاغ سبينوزا مفهوم الفاعلية الأخير بمنتهى الدقة . لقد قام بتمييز بين حالات الهياج الفاعل والسلبي .
الأفعال و الأشواق . في تحقيق الهياج الفاعل يكون شخص حرا , هو يتحكم بهياجه . في تحقيق الهياج السلبي يتحرض الإنسان بشيء ما . أنه موضوع الدوافع المحرضة التي لا يعيها هو نفسه ...

الحب فاعلية , وليس هياجاً سلبياً .. أن الحب قبل كل شيء عطاء وليس أخذاً

ما معنى العطاء ؟

يسترسل إيريك فروم بقوله:
الرأي الأوسع انتشاراً خاطئ , وهو أن العطاء يعني التخلي عن شيء ما , أن أصبح محروما  من شيء ما  ... إن الناس ذوي التوجه الغير مثمر يفهمون العطاء بمثابة إفقاد ذات, لذلك يمتنع أصحاب هذا التوجه عن العطاء بعضهم يقوم بالإحسان وبالعطاء بمعنى تقديم أضحية. إنهم يعتبرون أن الإنسان يعطي . بالذات لأن العطاء يعذب . إحسان العطاء بالنسبة لهم ينحصر في تقديم الأضحية ذاته. إن العطاء خير من الأخذ – هو خلق يعني بالنسبة لهم , أن معاناة الحرمان خير من معاناة الفرح .

بالنسبة للخلق المثمر: العطاء معنى مغاير تماماً . العطاء – هو التجلي الأسمى للقوة . في كل فعل عطاء: أنا أحقق قوتي , غناي , سلطتي . إن معايشة المقدرة العالية على الحياة والقوة تملؤني سروراً .

أنا أشعر بالثقة في نفسي , وبالمقدرة على صرف كبير للقوى , وبأني مفعم بالحياة ولهذا أنا بغاية السرور . يسرني العطاء أكثر من الأخذ ليس لأن ذلك حرمان , بل لأن في فعل العطاء يتجلى التعبير عن قدرتي على الحياة .

ليس من الصعب إدراك هذا المبدأ , بتطبيقه على مختلف الظواهر الخاصة . مثال بسيط يُلاحظ في مجال الجنس . إن ذروة الوظيفية الذكورية تكمن في فعل العطاء .. لا يمكنه أن يمتنع عن العطاء إذا كان سليماً . وإذا لم يكن قادراً على أن يعطي فهو عاجز جنسياً . لدى النساء العملية ذاتها رغم التعقيد , هي أيضاً تعطي نفسها , إنها تفتح للرجل حضنها الأنثوي، إنها تعطي إذ تأخذ , و إذا كانت غير قادرة على فعل العطاء هذا , فإنها باردة جنسياً . فعل العطاء يجري أيضاً بوظيفة الأم .. أنها تعطي نفسها للطفل الذي ينمو في أحشائها . إنها تعطي الحليب للرضيع . تعطيه دفء جسدها . كانت لتتألم لو لم تعطِ .
في مجال الأشياء المادية (أن تعطي) يعني كونك غنياً, ليس الغنى من يملك الكثير , بل ذاك الذي يعطي الكثير . البخيل الذي يضطرب قلقاً من الحرمان من شيء ما  ......

إن المجال العطاء الأهم ليس مجال الأشياء المادية بل هو المجال الإنساني الخاص . ماذا يعطي شخص لآخر , إنه يعطي نفسه , أنفس ما يملك , يعطي حياته . لكن هذا لا يعني حتماً انه يضحي بحياته من اجل شخص آخر . إنه يعطي ما هو حي فيه . يعطيه فرحه و اهتمامه , فهمه , معرفته , مرحه , حزنه – كل المشاعر وكل مظاهر ما هو حي فيه . بعطائه حياته هو يغني الشخص الآخر ويضخم شعوره بالقدرة على الحياة . إنه يعطي لا ليأخذ فالعطاء بحد ذاته يشكل لذة حادة . ولكنه عندما يعطي لا يمكن ألا يثير في الشخص الآخر لكي يصير معطياً . وكلاهما يتقاسمان الفرح الذي أدخلاه في الحياة . في فعل العطاء يولد شيء ما , وكلا الشخصين شاكرين للحياة . في فعل العطاء يولد شيء ما , وكلا الشخصين شاكرين للحياة لما تلده من أجلهما كليهما . في حالة الحب : هذا يعني أن الحب هو القوة التي تلد الحب , أما العجز – فهو استحالة ولادة الحب  ....
عدا عنصر العطاء يصبح الخلق الفاعل للحب واضحاً في كونه يفترض دوماً مجموعة محددة من العناصر المشتركة  لكل صيغ الحب وهي :
(الاهتمام - المسؤولية – الاحترام - المعرفة )

كون الحب يعني الاهتمام أشد وضوحاً في حب الأم لولدها . لا يقنعنا أي تأكيد من جانبها للحب إذا رأينا غياب اهتمامها بالولد, وإذا كانت تهمل إرضاعه وحمامه , ولا تجتهد للعناية الكاملة به , و لكن عندما نرى اهتمامها بالطفل , فإننا نثق ثقة كاملة بحبها له . هذا ينسب أيضا لحب الأزهار والحيوانات . فإذا قالت لنا امرأة ما أنها تحب الأزهار , ورأينا أنها تنسى أن تسقيها , فإننا لا نصدق أنها تحب الأزهار ولا نثق بحبها لها . الحب هو اهتمام فاعل بحياة وتطور ما نحب ...

( ثم ينقل اريك فروم حكاية ليونس عليه السلام في التوراة ويقول : أن جوهر الحب هو العمل من أجل شخص ما والمساعدة في نموه , وأن الحب والعمل لا ينفصلان . كل شخص يحب ما عمل لاجله . وكل شخص يعمل من أجل ما يحب

العناية والاهتمام يؤديان إلى مفهوم آخر للحب : إلى المسؤولية . في هذه الأيام غالباً ما تفهم المسؤولية بمثابة واجب مفروض , كشيء مفروض من الخارج . لكن المسؤولية بمعناها الحقيقي , فعل اختياري تطوعي من بدايتها حتى نهايتها . إنها استجابتي لحاجة كائن إنساني سواء عبر عنها أم لم يعبر . أن أكون مسؤولا يعني أن أكون قادرا ومستعدا للإجابة  .. الإنسان المحب يشعر أنه مسؤول فحياة أخيه ليست قضية أخيه فحسب بل هي قضيته كذلك . انه يشعر بالمسؤولية عن كل أقربائه , كما يشعر بالمسؤولية عن نفسه ذاته ...

لولا وجود عنصر " الاحترام "  لامكن بسهولة أن تنقلب المسؤولية بسهولة إلى رغبة بالتفوق والسيطرة . والاحترام ليس خوفا وتقوى , انه يعني حسب جذر الكلمة (
respicere=to look at ) المقدرة على رؤية الإنسان كما هو , وعلى إدراك شخصيته الفريدة . الاحترام يعني الرغبة في أن ينمو ويتطور الإنسان كما هو . وهذا يفترض غياب الاستغلال. أنا أريد للشخص الذي أحبه أن ينمو ويتطور من اجله , على طريقته الخاصة  , ليس لكي يخدمني . إذا أحببت شخصا . فانا اشعر بالاتحاد معه , كما هو , وليس كما أريد له أن يكون بصفته أداة لتحقيق غاياتي . من الواضح أن الاحترام ممكن فقط إذا حققت استقلاليتي , إذا كنت استطيع الوقوف على قدمي من دون مساعدة جانبيه , دون الحاجة للتسلط على احد أو استعمال أحد . يوجد الاحترام فقط على أساس الحرية ...

لا يمكن أن نحترم إنسانا لا نعرفه : فالاهتمام والمسؤولية يصبحان أعمى وعمياء إذا لم توجههما المعرفة . المعرفة تصبح فارغة لو لم يكن باعثها الاهتمام . يوجد أنواع كثيرة من المعرفة , المعرفة التي هي عنصر الحب لا تكتفي بالمستوى السطحي , بل تنفذ إلى الجوهر ذاته . هذا ممكن فقط إذا استطعت تجاوز حدود مصلحتي الخاصة , ورؤية الشخص  الآخر بمظهره الخاص . أنا استطيع أن اعرف أن الشخص غاضب , حتى إذا لم يظهر ذلك بالشكل مكشوف , ولكن يمكنني أن اعرفه بشكل أعمق , يمكنني أن اعرف أن غضبه هو مظهر لشيء ما أكثر عمقاً . وانظر إليه كشخص خائف ومضطرب , وهذا يعني كشخص معذب , وليس غاضبا فحسب .


ص32
للمعرفة صلة أخرى , أكثر أساسية , بقضية الحب . الحاجة الأساسية للانضمام إلى شخص آخر بحيث يمكن التحرر من سجن العزلة الشخصية المظلم , وثيقة الارتباط برغبة إنسانية خاصة أخرى , رغبة معرفة " سر الإنسان " . رغم إن الحياة حتى في مفاهيمها البيولوجية ذاتها هي أعجوبة وسر . والإنسان بجوانبه الإنسانية بالذات يشكل سرا عصيا على فهم الإنسان ذاته – وكذلك على فهم أقربائه . نعرف أنفسنا ومع ذلك رغم كل جهودنا , لا نعرف أنفسنا . نعرف قريبنا ومع ذلك لا نعرفه , لأننا لسنا شيئاً وقريبنا ليس شيئاً . كلما تعمقنا أكثر في عمق كياننا أو كيان آخر , يبتعد هدف معرفتنا أكثر . ومع ذلك لا يمكننا أن نتخلص من الرغبة في النفاذ إلى خفايا النفس الإنسانية ,  إلى تلك النواة الأشد خفية , التي تكون الـ " هو " .


عملية الحب

ص99
إن الممارسة العملية لأي فن تستوجب متطلبات عامة محددة بصرف النظر عن أننا نتعامل مع فن طبي أو مع فن الحب . قبل كل شيء تتطلب ممارسة أي فن انضباطاً , فأنا لن أحصل على أي نتيجة ما لم أقم بعملي بشكل منظم ومنضبط ..  ويتطلب لذلك تنظيم الحياة الخاصة بأكملها

التركيز

العنصر الثالث هو الصبر: يعرف كل من يحاول مزاولة فن من الفنون أن الصبر ضروري ولا بد منه إذا أردتم أن تحققوا شيئاً. فإذا سعى أحد ما للحصول على نتائج سريعة لن يتعلم فناً.

الشرط الأخير لتعلم أي فن هو الاهتمام الأقصى في امتلاك الخبرة في هذا الفن.

**
في الختام يقول زين العابدين في دعائه : " تتحبب الينا بالنعم ونعارضك بالذنوب , خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد , ولم يزل ولم يزال ملكٌ كريم يأتيك عنا بعمل قبيح , فلا يمنعك ذلك من ان تحوطنا بكرمك .. فما احلمك واعظمك .. انت الهي اعظم حلما من ان تقايسني بفعلي وخطيئتي فالعفو العفو العفو سيدي سيدي سيدي ... "
لقراءة الدعاء كاملا في الاسفل : http://www.alseraj.net/maktaba/kotob/duaa/mafateh/maktabat/doaa/book1/mafatih10.htm

انتهى


هناك 3 تعليقات:

محمد الدهيمي يقول...

غبت كثيرا و عدت بخير وفير :)
بورك مجهودك

هديل آل محمد يقول...

مرحبا أحمد

مشاء الله تدوينة مطولة جداً وهادفة

( الإحترام)

كل علاقة لاتقوم إلآ على هذا الأساس

إن فقد الإحترام فقد كل شي

الإحترام صفة جميلة تعطي إنطباع جميل للشخص

وللأسف أرى أن هذه السمة أنعدمت ب بعض البشر

صباحك يشبهك عزيزي:)

نور يقول...

ربما موضوعك قادني إلى تأملات كثيرة ..

لا شك لي عودة للقراءة الثانية .. هكذا موضوع جدير بأكثر من قراءة ..

:

عيدكم مبارك .. تقبّل الله الطاعات

إرسال تعليق

 

2010 أحمد محمدي. Blogger Templates created by Deluxe Templates | تعريب و تطوير : حسن